قبل ثلاثة عقود تقريباً ، وفي مدينة كيرلا الهندية ، أشتهر رافيندرا جولد كما لقبه الهنود بحبه المولع بالذهب الأصفر ، وقد بان أثر الذهب على حياته العملية والأجتماعية جلياً ، إذ حتى السرير الذي ينام عليه مصنوع من الذهب الخالص ، وحتى خلاطات الماء والإكسسوارات نالت نصيبها من الذهب .. والمعروف إن للهنود الهندوس علاقة قوية بالذهب تكاد تكون الأولى عالمياً .
أهم برستيج لرافيندرا ، هو إستقبال ضيوفه العرب وغيرهم شخصياً بصالة مطار كيرلا ، إذ يـقلهم بسيارته الفارهة بنفسه ، ويتجول بهم في أرجاء المدينة المزدحمة مع عصير المانجوا اللذيذ قبل الوصول إلي قصره ، وقد عرف صاحبنا بكرمه وطيب أخلاقه ، حتى أعتبروه قدوة لكل هندوسي .. ومن العروض التي يقدمها لعملائه، إنه يسكنهم بجناح الزوار الفخم ، ويضع الخدم والحشم تحت تصرفهم ، ويوفر لهم طباخين مسلمين محترفين ، لكـونهم يجيدون إظهار المطبخ الهندي العالمي بأبهى صورة .
ذات يوم ، كان رافيندرا على موعد مع عميل سعودي جديد ، وكالعادة ، تم أستقباله في المطار بكل حفاوة وتقدير ، وأثناء تناول طعام الغداء ، وحول الطاولة الكبيرة المطعمة حوافها بالأحجار الكريمة ، وأمام محفل من العملاء ، جلست الزوجة بمعية إبنتها السمراء بجانب الأب الأسطورة ، وكعادته أمام كل عميل جديد وقبل رفع أغطية الأطباق، سأل : كم عامل لديك بمصنع الذهب؟
فرغ الجميع من المائدة ، ومازال الضيف الجديد يحاول إقناع رافيندرا بإرسال مكائن تقطيع وتصنيع الذهب إلي بلاده ، ورافيندرا يشترط كفالة وتزكية من أحد عملائه الكبار هناك .. إذ تبلغ تكلفة المعدات المطلوبة أكثر من خمسمائة الف ريال ، وسيدفع الرجل فقط ربع المبلغ .. وعند العشاء ، وعلى نفس الطاولة ، أخبر الأب إبنته بإن غداً هو موعد عملية الدودة الزائدة ، وإنه سيزورها بعد أنتهاء أجتماعه الموسمي بالشركة ، وإن أمها ستأخذها إلي المستشفى مع السائق .. وعند حلول الليل ، وبعود إجراء العملية ، تفاجأ رافيندرا بما قالته زوجته ، ان الضيف خرج من الغرفة للتو ، أي قبل قدومك بنصف ساعة ، وإنه كان معهما طيل الوقت ، أي منذ الظهيرة حتى بعد إفاقة ابنتهما من المخدر .
أنقضت خمسة أشهر على الحادثة ، وتفاجأ صاحبنا السعودي بإتصال من وكيل شركة الشحن الشهيرة بميناء المدينة ، إنه يوجد لكم مجموعة صناديق كبيرة محملة بمكائن قادمة من الهند وتنتظر التحميل ، وكان ينتظرهم مندوب رسكي مع الوكيل كي يتم توقيع بعض المستندات وتصديقها من السفارة الهندية .. أنقضى عقد من الزمان ، وسدد ماعليه من ديون ، وأصبح صاحبنا السعودي من مشاهير صناع الذهب بالمنطقة ، ولايخلو كل شهر تقريباً من إتصال بين السعودي وصديقه رافيندرا .
أما بالهند ، فقد دخل رافيندرا معترك سوق الأسهم الأمريكية ، وأشترى عقارات كبرى بأمريكا بطريقة الرهن العقاري ، وأصبح كل مايملكه تحت رحمة البورصة والرهن المذكور ، فوقعت الطامة الكبرى ، وضرب التسونامي الأقتصادي الكبير عام 2008 ميلادية ، وأنهارت الأسواق العالمية ، وتدحرجت وأدميت الخزائن والقلوب ، وتبخرت الأموال ، وكان لرافيندرا نصيب الأسد من الخسارة الهندية ، إذ طار كل مايملك مع أدراج الرياح ، وبان النقص من أطراف حساباته ، وأصابته حالة هستيرية ، دخل على إثرها المصحة النفسية ، وساعده بعض أقاربه مادياً ، لكن لفترة بسيطة جداً ، حتى تخلو عنه وربما طردوه من بيوتهم .
سمع رجل الأعمال السعودي بما حصل ، وحاول الأتصال به عدة مرات ، لكن دون جدوى إذ أنقطعت وسائل الأتصال به ، ومع مرور الوقت ، حصل على عنوانه ، فأرسل له وسيطا وأتصل به ، فسمع بكاء رافيندرا الأسطورة ، وأنكسر قلبه معه .
هذه الأيام ، يعمل رافيندرا بمكتب شركة صديقه السعودي بالمملكة العربية السعودية ، وبراتب ثلاثة آلاف ريال ، وهو لايجيد شيئاً يذكر ، فقط يرد على الاتصالات ، ويوصل الأوامر إلي داخل المصنع ، أو مترجم بين المدير والعمال الهنود ، وفي المساء ينام رافيندرا مع باقي عمال المصنع بمجمع الشقق بالدور العلوي ، وبغرفة عادية لاتتعدى مساحة ستين متراً ، وينام معه عشرة من بني جلدته ، ويطبخ معهم ويغسل ملابسه معهم ، والأهم من هذا كله ، أنه كل صباح يقف أمام إحدى مكائنه بالمصنع ، ويقبل الماكنة ، ثم يكمل عمله ، وفي المساء يفترش سريره ، ويمد يده متحسساً السرير الحديدي ، وقلبه يخبره إنه ليس سرير الذهب.